-->
سجين اوراق قلب سجين اوراق قلب
عمر محمد عطية

‎ ﻻ ﺗﻘﺎﻭﻣﻮﺍ ﺍﻟﺤﺐ ﺑﺎﻟﺸﻚ، ﻻ ﺗﺤﺎﺭﺑﻮﺍ ﺍﻟﺤﻨﻴﻦ ﺑﺎﻟﺒﻌﺪ، ﻻ ﺗﻘﺎﻭﻣﻮﺍ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﺑﺎﻟﻤﻨﻄﻖ، ﻷﻥ ﺍﻟﻤﻘﺎﻭﻣﺔ ﺗﻐﺬﻱ ﺍﻟﻔﺮﺍﻕ، ﻷﻥ ﻣﺤﺎﺭﺑﺔ ﺍﻟﺤﻨﻴﻦ ﺗﻘﺘﻞ ﺻﺎﺣﺒﻬﺎ ﻭ ﺗﺰﻳﺪﻩ ﺫﻵ ﻭ ضعفآ، ﻭ ﻻ ﻳﻘﺎﻭﻡ ﺍﻟﺤﻨﻴﻦ ﻭ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﻭ ﺍﻟﺤﺐ ﺇﻻ ﺿﻌﺎﻑ ﺍﻟﻤﺸﺎﻋﺮ ﻭ ﻋﺒﻴﺪ ﺍﻟﺸﻚ، ﺃﻣﺎ ﺍﻟﺼﺎﺩﻗﻮﻥ ﻭ ﺍﻷﻧﻘﻴﺎﺀ ﻓﻜﺮﺁ ﻭ ﺭﻭﺣﺂ ﻓﺈﻧﻬﻢ ﻳﻌﻴﺸﻮﻥ ﺑﺘﻠﻚ ﺍﻟﻠﺤﻈﺎﺕ ﻭ ﻳﻤﻮﺗﻮﻥ ﻓﺨﺮﺁ ﺑﻬﺎ.


recent

: منوعات

recent
recent
جاري التحميل ...
recent

في رحاب العمل



في العقد الثاني من عمري حين انهيت امتحانات الشهادة الثانوية، نمى في داخلي حس الرجولة، اعني بدأت اشعر انه ليس من الرجولة ان يطلب الابن من ابيه شيئآ، كان وقتها هذا الاحساس يشكل في داخلي تنافرآ غريبآ لانه لم يرتبط وقتها بحس المسؤولية، اذ كنت اشعر انه يعمل على كسر العلاقة القوية التي تربط بين الاب و الابن، فيما بعد نمى هذا الاحساس اكثر ليكون نوعآ ما كالعقدة فصرت اتوجس ان اطلب من ابي شيئآ و الى هذه اللحظة لا استطيع ان اطلب منه شئ، وقتها قررت ان اعمل بيدي و ان اعيل نفسي بنفسي، اذكر انني ذهبت الى صاحب البقالة و طلبت منه ان يعطيني "جركانة" زيت كبيرة و قمت بعدها بشراء ثلاثة اكواب حديدية، و عدت الى ابي حيث اخبرته انني عازم على العمل وحدي و سأبيع الماء في سوق بحري، كعادته ابتسم و لم يعترض، ابي ابدآ لم يكن يفرض علينا رأيآ حيث كان دائمآ يراقبنا من بعيد.
وقتها كنت سعيدآ بعملي، الذي كان يبدأ من الساعة التاسعة صباحآ و ينتهي عند الرابعة مساء، كنت حينها عند انتهائي من العمل اعود الى ابي، اضع تلك "الجركانة" و بداخلها اكواب الماء في مكان عمله و اعد النقود التي كسبتها، كانت لا تتجاوز يوميآ 15 جنيهآ، لانني وقتها لم يكن يهمني المال بقدر ما كان يهمني العمل، اصحاب محلات سوق بحري صاروا يعرفونني، اذ كنت اسقيهم الماء و لا اتشدد في امر الدفع، اذكر حينها ان احدهم في يوم من الايام اعطاني فجأة 50 جنيهآ، قائلآ ان هذا هو اجمال الدين الذي عليه، و شيئآ فشيئآ نمى في داخلي حب العمل و الاخلاص فيه، بغض النظر عن الفوائد المالية، و استشعرت وقتها حلاوتها - من لا يذوق لذة العمل الاختياري لا يذوق لذة الراحة الحقيقية، لأن الله تعالى لا يضع الراحة بغير عمل - و تنفستها نفسي و تقمصتها روحي، و بعد مدة من الزمن وفرت مبلغآ كبيرآ، اشتريت به كل متطلباتي الجامعية و حفظت الباقي لأكمله لاحقآ لسداد رسومها.
ذلك الاحساس نمى اكثر فلم يشمل ابي فقط، بل كل الناس، لا استطيع ان اطلب من اي بشري شيئآ و لو كنت اكثر الناس حوجة له، و لا استطيع ان استدين من احد ما لم يكن لي ثقة تامة بضمان استطيع ان اعيد ما استدنته، و هذا هو السبب الذي يجعلني لا اقبل اي هدية مقابل عمل قدمته لأحد، ابي كان يقول ان تجربة بيع الماء ستخرج منها بشيئين، الاول التعفف و محبة ما تنتجه يداك و اما الثاني معرفتك بالحياة و بالناس حيث ستكون قادرآ على حماية نفسك بنفسك منهما، خلال ايام الدراسة الجامعية لم اكن اشعر بالراحة مطلقآ بعد انتهاء ما ادخرته من مال، اذ صدق ابي حين قال ذلك، اذكر انه حين يسألني ان كنت احتاج مالآ ام لا، كنت ارد وقتها مباشرة بالنفي رغم انني اعلم جيدآ ان ما عندي قد يكفي للمواصلات فقط، اذكر انني خلال سنواتي الجامعية جربت كل شئ، عامل بناء، كمساري، بائع ايس كريم، عمليات ردم المنازل و الشوارع، دروس خصوصية، كل شئ تقريبآ و لن انسى حين كنت اسافر في الاجازات السنوية الى منبت رأسي، حيث كنت اساعد جداي هناك من حصاد و زراعة و سقاية و اهتمام بالماشية و لم يكونا يبخلا علي حين نهاية الموسم، اذ كنت اترك هناك جوالات من التمر اعود الى بيعها خلال العام عند حوجتي لأي شئ.
لاحقآ تكونت لدي قناعات محددة حول العمل، من اهمها ان لم تكن هناك فوائد يجنيها كل من الطرفين فلا خير في هذا العمل، و هذا هو السبب الذي يجعلني الان اترك اي عمل اذا شعرت انني الوحيد المستفيد منه، بالإضافة الى ذلك الاجتهاد و الاخلاص في كل عمل تتقاضى عليه أجرآ قدر ما تستطيع، لأن ما دون ذلك يعد أحد أشكال السرقة، و قبل كل ذلك كنت قد ادركت الحقيقة التي كنت اراها في يدا ابي "من أجعل يد ناعمة، يجب أن تعمل يد خشنة" و ايقنت بنفسي مقولة الغزالي "ان المعلومات النظرية التي لم ينقلها العمل من دائرة الذهن إلى واقع الحياة تشبه الطعام الذي لم يحوله الهضم الكامل الى حركة و حرارة و شعور".

إرسال تعليق

التعليقات



اتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

جميع الحقوق على

سجين اوراق قلب

2024 - 2017 محفوظة لصاحبها عمر محمد عطية