-->
سجين اوراق قلب سجين اوراق قلب
عمر محمد عطية

‎ ﻻ ﺗﻘﺎﻭﻣﻮﺍ ﺍﻟﺤﺐ ﺑﺎﻟﺸﻚ، ﻻ ﺗﺤﺎﺭﺑﻮﺍ ﺍﻟﺤﻨﻴﻦ ﺑﺎﻟﺒﻌﺪ، ﻻ ﺗﻘﺎﻭﻣﻮﺍ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﺑﺎﻟﻤﻨﻄﻖ، ﻷﻥ ﺍﻟﻤﻘﺎﻭﻣﺔ ﺗﻐﺬﻱ ﺍﻟﻔﺮﺍﻕ، ﻷﻥ ﻣﺤﺎﺭﺑﺔ ﺍﻟﺤﻨﻴﻦ ﺗﻘﺘﻞ ﺻﺎﺣﺒﻬﺎ ﻭ ﺗﺰﻳﺪﻩ ﺫﻵ ﻭ ضعفآ، ﻭ ﻻ ﻳﻘﺎﻭﻡ ﺍﻟﺤﻨﻴﻦ ﻭ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﻭ ﺍﻟﺤﺐ ﺇﻻ ﺿﻌﺎﻑ ﺍﻟﻤﺸﺎﻋﺮ ﻭ ﻋﺒﻴﺪ ﺍﻟﺸﻚ، ﺃﻣﺎ ﺍﻟﺼﺎﺩﻗﻮﻥ ﻭ ﺍﻷﻧﻘﻴﺎﺀ ﻓﻜﺮﺁ ﻭ ﺭﻭﺣﺂ ﻓﺈﻧﻬﻢ ﻳﻌﻴﺸﻮﻥ ﺑﺘﻠﻚ ﺍﻟﻠﺤﻈﺎﺕ ﻭ ﻳﻤﻮﺗﻮﻥ ﻓﺨﺮﺁ ﺑﻬﺎ.


recent

: منوعات

recent
recent
جاري التحميل ...
recent

رغبت في أن أُفهم

 



منذ دخولي مرحلة العشرينيات من العمر لم أشعر مطلقآ بالبهجة يومآ من الحصول على الأشياء مهما كانت ثمينة و مهما كانت رغبتي في الحصول عليها، أنجزت الكثير مما اطمح الحصول عليه، لكنني الى الان لم اشعر بروعة الانجاز فيما فعلته، بدأت أدرك ذلك في سن مبكرة حين تجاوزت المعضلة النفسية التي سببتها لي اللغة الانجليزية بأن صرت استاذآ يدرسها و من ثم محاضرآ يدرس العلوم و الرياضيات بنفس اللغة، بدأت افهم نفسي جيدآ حين ادركت انني لا اتعلق بالأشياء و الإنجازات حين استلمت شهادتي الجامعية و انا أقرأ جملة "مرتبة الشرف الدرجة الاولى في علوم هندسة التعدين" اذ كانت قراءتي لها وقتها لا تختلف شيئآ عن باقي الجمل الأخرى التي مرت على عيني، و خلال مسيرتي كأستاذ إكتشفت ان بهجتي الحقيقية تكمن في أن أمنح الأشياء لا أن أحصل عليها، و تجلى ذلك في مقدرتي على منح الأشياء دون مقابل، و هذا بدوره قاد مع مرور الوقت الى إدراكي العميق بأنني لست قادرآ على إسعاد اي انسان او على الاقل لست بقادر على إسعاد جميع الناس، لأنني بطبيعة الحال لست بقادر على الحصول على جميع الأشياء التي يحتاجها من هم حولي لكي امنحها لهم.

لم أكن أبدآ إنسانآ متدينآ غيورآ مستعدآ للموت من أجل دينه و لكنني اثور غاضبآ حين احس أن احدآ يحاول ان يغير عقيدتي بربي او ان يعطي علاقتي بالله اي توصيف مهما كان، اعلم نفسي جيدآ بأنني لست العبد المثالي الذي يريده ربي ان اكون، و لكنني اعلم ايضآ ان الله يحبني و انا أحبه و اعلم ايضآ ان لا مخلوق على هذه الدنيا قادر على ان يشكك في ايماني به، لم تكن و الى الان علاقتي بالناس و المجتمع و لا حتى اسرتي علاقة طبيعية كباقي الناس و لكنني لم اكن كذلك نرجسيآ بما يكفي لأنتظر شكرآ أو جزاء أو استحسانآ أو كلمة طيبة واحدة مقابل ما امنحه لهم، لم اكن انسانآ يتخطى احلامهم او رغباتهم او قراراتهم الخاصة، لا أنكر أنه لدي مهارات اجتماعية ضعيفة جدآ و أنني انسان منغلق على ذاته لا يحب ان يفتح قلبه لأحد، و لكنني ايضآ لم استغل عاطفة انسان اتجاهي و كنت و لا زلت صريحآ في مشاعري اتجاه الاخرين مهما كانت، و اتقبل ردات فعلهم اتجاهها.

 ثمة أشياء قليلة رغبت بها حقآ في هذه الحياة، أن أُفهم، أن يعرف الناس من حولي أنني إنسان لا أكترث اطلاقآ لكل ما يجري من حولي، لذلك لن تجدني منخرطآ او خائضآ فيما هم فيه خائضون، و هذا لا يعني أنني لا افهم اسبابهم و لا احس بآلامهم او ضد ما يقومون به، و عدم الإكتراث هذا مصدره كما اسلفت سابقآ انني لا امتلك من المهارات الإجتماعية اصلآ ما يمكنني من الانخراط في المجتمع من حولي، رغبت في أن يُحترم ألمي، و أن لا يُستهان بحقيقة أنني على علاقة قوية بالعزلة و لكن حينما اتحدث مع احدهم قد اتحدث كثيرآ دون توقف، أن يعرف الآخرون -على الأقل من أحببتهم يومآ او من سأحبهم مستقبلآ- أنني مُفرط الحساسية خصوصآ اذا ما تقاطعت مشاعرهم مع مشاعري و رغباتهم مع رغباتي، فليس غريبآ ان يكون رحيلهم عني او رحيلي عنهم مقبولآ لدرجة تثير مخاوفهم مني، و هذا لا يعني ان مشاعري اتجاههم قد تغيرت او انني صرت اكرههم، و ددت أن يفهم الناس أن الجروح تخلف وراءها ندوبآ أبدية لا يشفيها الزمن في داخلي، لأن الماضي حاضر دائمآ حضور الآن في ذاكرتي و لا يمحى منه أي تفصيل، و لكن كل هذا على بساطته لم يُفهم خصوصآ من الذين أحببتهم. 

كنت و لا زلت بحاجة إلى الفهم لا الحب، لا الدعم العاطفي و لا المادي، لا مساندتي في القرارات و المآزق و لا الوقوف إلى جانبي، عشت سنيني السابقة كلها مستقلآ و سوف اعيش ما بقي من عمري مستقلآ و سيظل الرجل المستقل او المرأة المستقلة هما الاقرب الى نفسي روحآ، لذلك رغبت في ان أفهم و حسب و كنت سأرتضي بذلك دائمآ و كان ليكفيني، أما الآن و قد أصبحت الأشياء كلها واضحة على نحو مخيف و للحد الذي تحطمت معه النفس و تمزقت، لم يعد هناك ما يعيد لقلوب الناس الحياة إلا قدرة الله عزل و جل، لا الحصول على الأشياء و لا العطاء، لا الحب و لا الاهتمام، لا الغفران و لا الانتقام، لا الاستسلام و لا المواءمة، و في منتصف كل هذه الفوضى ينمو في داخلي شعور بالإغتراب و بأن أكون في مكان مختلف، او هو ليس شعور بالإغتراب، بل هي رغبة في ان اخوض ما تبقى من حياتي وسط مجتمع مختلف.

إرسال تعليق

التعليقات



اتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

جميع الحقوق على

سجين اوراق قلب

2024 - 2017 محفوظة لصاحبها عمر محمد عطية