-->
سجين اوراق قلب سجين اوراق قلب
عمر محمد عطية

‎ ﻻ ﺗﻘﺎﻭﻣﻮﺍ ﺍﻟﺤﺐ ﺑﺎﻟﺸﻚ، ﻻ ﺗﺤﺎﺭﺑﻮﺍ ﺍﻟﺤﻨﻴﻦ ﺑﺎﻟﺒﻌﺪ، ﻻ ﺗﻘﺎﻭﻣﻮﺍ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﺑﺎﻟﻤﻨﻄﻖ، ﻷﻥ ﺍﻟﻤﻘﺎﻭﻣﺔ ﺗﻐﺬﻱ ﺍﻟﻔﺮﺍﻕ، ﻷﻥ ﻣﺤﺎﺭﺑﺔ ﺍﻟﺤﻨﻴﻦ ﺗﻘﺘﻞ ﺻﺎﺣﺒﻬﺎ ﻭ ﺗﺰﻳﺪﻩ ﺫﻵ ﻭ ضعفآ، ﻭ ﻻ ﻳﻘﺎﻭﻡ ﺍﻟﺤﻨﻴﻦ ﻭ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﻭ ﺍﻟﺤﺐ ﺇﻻ ﺿﻌﺎﻑ ﺍﻟﻤﺸﺎﻋﺮ ﻭ ﻋﺒﻴﺪ ﺍﻟﺸﻚ، ﺃﻣﺎ ﺍﻟﺼﺎﺩﻗﻮﻥ ﻭ ﺍﻷﻧﻘﻴﺎﺀ ﻓﻜﺮﺁ ﻭ ﺭﻭﺣﺂ ﻓﺈﻧﻬﻢ ﻳﻌﻴﺸﻮﻥ ﺑﺘﻠﻚ ﺍﻟﻠﺤﻈﺎﺕ ﻭ ﻳﻤﻮﺗﻮﻥ ﻓﺨﺮﺁ ﺑﻬﺎ.


recent

: منوعات

recent
recent
جاري التحميل ...
recent

التغيير غير ممكن



 في الأسابيع الأخيرة الماضية منذ اندلاع جائحة الكرونا، انفصلت تمامآ عن نشر كل ما اكتبه سواء على موقعي او على وسائل التواصل الاجتماعي، خصوصآ النصوص الطويلة، و اكتفيت بإعادة مشاركة بعض النصوص القصيرة التي تظهر من قائمة الذكريات الموجودة على الفيس بوك، لكنني لمن انقطع عن الكتابة، لا زلت أكتب كما في السابق، و ربما على نحو أكثر كثافة، طوال السنوات السبع الماضية، لم اكتب فيها شيئآ على الورق و لم اخصص دفترآ او كراسة لتحمل عنوانآ محددآ، في هذه الفترة رجعت للكتابة على الورق، فلدي عادة غريبة ربما مرتبطة بنمط حياتي المتوحد، عندما اكتب شيئآ على الورق افضل ان احتفظ به لنفسي و حسب، و غالبآ ما ينتهي الامر بعود ثقاب، لأنني اشعر وقتها براحة كبيرة و انا ارى النار تأكله.

لم تكن غايتي طوال ممارستي للكتابة و منذ أعوام طويلة، أن أنشر ما أكتبه أصلآ، لكننا احيانآ ننسى غاياتنا و ننسى ما تضمره نفوسنا و قلوبنا و عقولنا من افكار و مشاعر، و برغم رغبتي القوية في ان لا يعرف الناس عني شيئآ و ان يكونوا دائمآ على مسافة بعيدة مني، إلا أنني أحب أن يقرأ الآخرون أفكاري، و أعرف أنني غالبآ ما أكتب عن أشياء عادة ما تبقى دفينة في نفس الإنسان طوال حياته، أشياء ليست قابلة للوصف او التعبير او مشاركتها مع الاخرين، بإختصار أشياء ليس للإنسان يد فيها، و أعرف أيضآ انني اكتب احيانآ عن أشياء جريئة تمس المجتمع في طهره و في عاداته و معتقداته، بإختصار أشياء لا يريد مجتمعنا فتح ملفاتها لأسباب يعلمها هو جيدآ أكثر من نفسي، و لكنني عندما اكتب و عندما انشر ما اكتبه، لا أترفع عن هذا و لا أجده معيبآ لكي أنكره، لا اخاف حتى ان اقف في وجه ابي او امي او حتى عائلتي صارخآ مدافعآ عن ما كتبته، و في ذات الوقت أحب أن يتم فهم ما أكتبه ليس كما أريد، بل كما ينبغي و حسب، لأن أكثر ما أمقته أن يساء فهمي، أكثر ما أمقته سوء الظن، أكره الأفق الضيق و الفهم المحدود، اكره الفكر الموروث و الأحكام المسبقة، اكره العادات و الانماط التي لا تتجدد مواكبة لتغيرات الحياة، اكره المصطلحات المجتمعية المجوفة التي يجدها الفرد جاهزة و مفسر معناها و مطالب بإتباعها و التحدث بها، و اخيرآ أكره انعدام الخيال و انعدام عملية التفكر و التفكير و اتباع التأويلات الغبية أكثر من كل شيء، الذين يتشدقون بكل تلك الامور هم حمير و ليس حيوانات، فبعض الحيوانات تحتل و ترتقي مكانة افضل، من أجل كل هذا، توقفت عن استخدام جميع وسائل التواصل الإكتروني كمنصة لنشر ما اكتبه، و هذا الامر بدا واضح جدآ في تفاعل الناس اتجاه منشوراتي في الفترة الأخيرة و الذي ظل في تدهور مستمر خلال كل تلك الاسابيع، و لكي اكون اكثر صدقآ هذه المرة، انني دائمآ ما اعتبرت الكتابة أداتي الوحيدة لأبدد عن صدري و لو قدرآ ضئيلآ، فلا ضير ان يجد المقربون مني اختلافآ كبير بين الكلمات التي انطقها و الكلمات التي اكتبها، غير أنني وجدت ان النتيجة النهائية من نشر كل تلك النصوص، أحكام مضحكة و سخيفة على من يكتب، فلا يجني الإنسان منها إلا مزيدآ من الارهاق و التعب و الأكثر سوءآ من ذلك، هو اكتشافك ان الناس مهما تعلموا و مهما حملوا من شهادات تعليمية لا يزالون سخفاء و ساذجين.

المهم أنني في صراع قوي بين نفسي و ذاتي، بين الصواب و الخطأ، بين توحدي و علاقاتي بالمجتمع، بين مشاعري التي احتفظ بها لفتاة لا تعلمونها و مشاعرها التي لا تفهمها هي، فليس من الغريب ان تكون نصوصي احيانآ حزينة و كئيبة، و احيانآ هادفة و لها معنى، و اوقات اخرى مليئة بالسخط و التهكم و التهجم، و احيانآ جريئة جميلة مليئة بالعاطفة و الحب، كل ما احاول فعله هو ان اعيش حياة طبيعية بعيدة قدر الامكان بعيدآ عن الناس، حياة أشبه ما تكون بحياة التسعينيات، الفترة الزمنية التي ولدت فيها و التي امضيت فيها اجمل اوقات طفولتي، التي أفضلها على هذه الأيام و ذلك لبساطتها في ذلك الوقت و بساطة الناس و الحياة فيها، و لطالما وددت لو ان الزمن توقف و لم يجري او ان القيامة قامت عند نهاية هذه الفترة، و الناظر الى حالي اليوم، عندما يجد ان الهاتف المحمول يكاد لا يفارق يدي يظن انني على تواصل دائم مع الناس، و الحقيقة انني لا استخدم الهاتف إلا من أجل المكالمات العادية جدآ، تلك التي تخص العمل فقط و لا استخدم برامج التواصل الاجتماعي الا لإرسال ما اكتبه فقط، حتى عند لعب ببجي اقوم بإغلاق المايك و السماعة حتى لا يكون هنالك تواصل بيني و بين اللاعبين، بإختصار أحاول الحفاظ على روتين يومي متوازن يمكنني من احتمال هذه الحياة قدر الامكان، يمكنني من احتمال هذا المجتمع.

في السنوات الاخيرة من عمري، لم أعد أظهر أي حماس أو انفعال عاطفي فعلي او قولي من نوع خاص لأي حد، قد اظهره كتابة و لكن ليس فعلآ او قولآ، و اظنني صرت بارعآ جدآ في اخفاء كل إنفعالاتي الا تلك الناتجة من سوء الظن او الفهم، كما لا أتكلم عن أي شيء متعلق بحياتي الخاصة و مشاعري حيال العالم الخارجي، و في المقابل قد اظهر اهتمامآ كبيرآ جدآ حيال حياة الآخرين و مشاعرهم إن هم ارادوا الحديث عنها، دائمآ المقربون مني يقولون انني مستمع جيد لمشاكلهم و مشاعرهم، لا احب ان يقترب  الناس كثيرآ مني، احيانآ احس انني افعل ذلك لأنني اخاف ان يكتشف الناس طبيعتي الحقيقية، و لكن السبب الرئيسي هو ان الانسان كائن غير موثوق، لذلك غالبآ ما استخدم الإيماءات في كلامي مع الناس و التي تغنيني كنتيجة نهائية عن الكلام، المهم ان ما احاول قوله هو انني اعتقد أنني بذلت مجهودآ هائلآ و كافيآ فيما مضى لأصل الى ما انا عليه الان، و ماذا الآن ؟ .. الآن قد استسلمت تمامآ للحقيقة التي بدا لي فيها بوضوح أن أي تغيير غير ممكن.

إرسال تعليق

التعليقات



اتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

جميع الحقوق على

سجين اوراق قلب

2024 - 2017 محفوظة لصاحبها عمر محمد عطية