-->
سجين اوراق قلب سجين اوراق قلب
عمر محمد عطية

‎ ﻻ ﺗﻘﺎﻭﻣﻮﺍ ﺍﻟﺤﺐ ﺑﺎﻟﺸﻚ، ﻻ ﺗﺤﺎﺭﺑﻮﺍ ﺍﻟﺤﻨﻴﻦ ﺑﺎﻟﺒﻌﺪ، ﻻ ﺗﻘﺎﻭﻣﻮﺍ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﺑﺎﻟﻤﻨﻄﻖ، ﻷﻥ ﺍﻟﻤﻘﺎﻭﻣﺔ ﺗﻐﺬﻱ ﺍﻟﻔﺮﺍﻕ، ﻷﻥ ﻣﺤﺎﺭﺑﺔ ﺍﻟﺤﻨﻴﻦ ﺗﻘﺘﻞ ﺻﺎﺣﺒﻬﺎ ﻭ ﺗﺰﻳﺪﻩ ﺫﻵ ﻭ ضعفآ، ﻭ ﻻ ﻳﻘﺎﻭﻡ ﺍﻟﺤﻨﻴﻦ ﻭ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﻭ ﺍﻟﺤﺐ ﺇﻻ ﺿﻌﺎﻑ ﺍﻟﻤﺸﺎﻋﺮ ﻭ ﻋﺒﻴﺪ ﺍﻟﺸﻚ، ﺃﻣﺎ ﺍﻟﺼﺎﺩﻗﻮﻥ ﻭ ﺍﻷﻧﻘﻴﺎﺀ ﻓﻜﺮﺁ ﻭ ﺭﻭﺣﺂ ﻓﺈﻧﻬﻢ ﻳﻌﻴﺸﻮﻥ ﺑﺘﻠﻚ ﺍﻟﻠﺤﻈﺎﺕ ﻭ ﻳﻤﻮﺗﻮﻥ ﻓﺨﺮﺁ ﺑﻬﺎ.


recent

: منوعات

recent
recent
جاري التحميل ...
recent

تراجيديات سجين، الجزء السادس : الرؤية



رأيتك جميلة و حزينة معآ في الليلة الماضية، انها الرؤية ذاتها تتكرر في ذهني عندما اخلو بنفسي، هناك قطعة من جسدك قد احتفظت بها في مخيلتي دون ان تعرفي، انها جدائل شعرك المنسابة على ظهرك كشلال مائي متدفق، و هناك قطعة من ملابسك ايضآ كنت قد سرقتها منك خلسة، انها الطرحة التي تسترين بها رأسك، لقد سحبتها من مكانها حين رسمتك بها، في الرؤية اجدني انهض من سريري ليلآ، اجلس لبضع دقائق مستحضرآ قصر قامتك، مشتهيآ قبلة على خديك، و نظرة من عينيك، و من ثم امد يدي نحوك، كما لو انك النور الذي سيشق ظلمة الليل و يرشدني الى الطريق، اضع يدي على رأسك و امرر اصابعي خلال خصلات شعرك، فأجدها فوضوية كالعادة و غير مرتبة، لكنني ارى طرحتك ذاتها ملتفة حول وسادتك، كانما وضعت لتمنع الدهن من الوصول اليها، فاطبق عليها بأصابعي لأسحبها من مكانها، اشدها بإتجاهي، و لكنها تأبى ان تفارق تلك الوسادة، اشد بقوة اكبر فأرى الوسادة ترتفع كلما سحبت لأعلى، لا اذكر الى متى كنت اصارع الوسادة لأخذ الطرحة منها، و لكنني قررت ان انهض و سحبتها بكامل قوتي، بعد ان دفعت بجسدي الى الخلف تمامآ، لأسقط بعدها ارضآ و اجدك من فوقي و شعرك ينساب على صدري، لأكتشف انني لم اكن اسحب الطرحة من الوسادة، بل قميص النوم من جسدك، نظرت الى وجهك، كنت جميلة جدآ، جميلة الى درجة ظننت فيها انني ارى فيها القمر بحد ذاته، خاصة و ان جدائل شعرك السوداء كانت تنساب بين خديك الى الاسفل بإتجاه صدري، ليتوسطها وجهك، كانه البدر في الظلام.
لم افعل شيئآ لبضع دقائق، كنت احدق بوجهك دون ان يرجف لي جفنآ، اما انت، فكنت تضحكين قائلة لي "الم تعلم انني اضع دائمآ حزامآ حول خصري عندما ارتدي ملابس نومي" و من ثم وضعت رأسك على صدري، كنت اسمع نبضه المتسارع، اعني قلبك، و كنت احس بتيار هواء دافئ يتخلل شعرك ليمر على صدري، اعني انفاسك، فرفعت يدي و وضعتها من جديد على رأسك لأداعب بها شعرك، و كانت اصابعي تتخله كأسنان مشطك، متحركة من رأسك على طول امتداده حتى تجاوزت منتصف ظهرك، و هناك بالضبط لمست طرف الحزام، لقد كان معقودآ و ملتفآ حولك، حملتك و نهضت بك و اجلستك على السرير، و حينها ضحكت مرة اخرى، و من ثم طبعت قبلة على خدي، قبل ان ابتعد عنك، و رأيت طرف الحزام ظاهرآ متدليآ للاسفل، و لكنني لم ارى الطرف الاخر، و بدا لي كأنه لم يكن مربوطآ كما ظننت في الاول، اذ لم تكن هناك اي عقدة واضحة على ملابس نومك، فاطبقت عليه باصابعي لأسحبه مكانه، و بدأت اشده بإتجاهي، و لكنني مرة اخرى لم اعثر على طرفه الاخر، لا اعتقد انه كان طويلآ الى هذه الدرجة، فبدأت امد يدي الى الخلف حتى اصبحت خارج جسدي و مع ذلك يبقى طرف قطعة القماش عالقآ في مكان ما، على ملابس نومك، فرجعت مرة اخرى كما الاولى عدة خطوات الى الوراء لأسحبه بكل قوتي، و لكن هذه المرة استمر تسلل الحزام الوردي، من على خصرك دون ظهور طرفه الاخر.
كنت اتابع خطواتي العكسية الى الوراء، التي كانت ثابتة في البداية، ثم  فقدت توازنها مع سرعة سحبي، و كنت ادور حول الغرفة بكاملها على قدمي، و لم تتغير النتيجة، تابعت سيري العكسي إلى الوراء و حزامك الوردي يمتد الى ما لا نهاية، قررت ان اكف عن الدوران داخل الغرفة، فخرجت من باب الغرفة، رأيت البسمة التي كانت تعتلي شفتيك تختفي، لربما ظننتي انني اهرب من باب الغرفة بعيدآ عنك، رأيت دمعتين من عينيك تنزلان على خديك، و لكنني استمريت في السحب، نزلت درجات السلم بنفس الطريقة، تعثرت عند بعضها، و لكنني كنت انهض و اتابع السحب و المشي، حتى صرت خارج البيت، وصلت الى الطريق الرئيسي للسيارات، و كان مليئآ بالسيارات، كانت جميعها مزينة بالورود، تذكرت انها ليلة عيد الحب، او ربما كنت اهذي بسبب نزلة البرد القوية التي اصبت بها مساء الاربعاء، و رغم ان السيارات كانت جميعها حمراء، و لكن كانت جميع اضواء الإشارات المرورية خضراء، كان السائقون يرتبكون لدى رؤيتي، و يوقفون مركباتهم فجأة، مع ظهوري الفجائي أمامهم و انا ساحب خلفي حزامك الوردي، فتصطدم المركبات ببعضها، سقطت في مكان ما عند حافة الطريق، عجزت عن الوقوف على قدمي، استغربت و من ثم استنكرت و لكنني تذكرت، انه المكان الذي وقفنا فيه ذات مرة معآ بعد صلاة العشاء، في إحدى الليالي الباردة لوقت طويل و نحن ننتظر حافلة تقلنا الى البيت، كان حينها البرد قاسيآ جدآ عليك، اذ كنت ترتدين عباءة سوداء فقط، و لكنك كنت سعيدة مع ذلك، كنت خائفة بعض الشيء لأننا تأخرنا، و كنت تعبرين عن استيائك من صعوبة المواصلات بعبارات خاطفة و مضحكة، كنت تحاولين أن تقاومي البرد و خوفك من ابيك، بحركات سريعة و خفيفة، فتمسكين بحزام حقيبتي، تسحبينها عليك حتى تلتصق بك، و كنت تجزين على أسنانك و تعضين على شفتيك، تضغطين بذراعيك على حقيبتي، هل تتذكرين  ماذا قلتي لي حينها ؟! "أشعر ان حزام حقيبتك يمتد الى ما لا نهاية كلما سحبته نحوي" فضحكت حينها معك، و اطبقت ساعتها اصابعي على كفيك بشدة، و قلت لك حينها "هذا لانك لم تسحبي يدي مباشرة"، و ضحكت عندها حتى ارتفع صوتك بالضحك.
كنت احاول النهوض من جديد، و لكنني هذه المرة عجزت بأن امسك بالحزام، و لا ادري لماذا، فوضعته في فمي و اطبقت عليه بأسناني، و صار سيري هذه المرة زحفآ، السيارات كانت لا تزال في مكانها، و كانوا ينظرون بإتجاهي، اعني الركاب، و كانت هناك فوضى تثار في كل مكان أمر به، امرأة سودانية خمسينية عجوز، اتجهت بخطى ثابتة نحوي، كانت تتحرك ببطئ، كانت بشرتها سمراء و كان وجهها مليئ بالتجاعيد، ربتت على كتفي، و جلست بجانبي، و انحنت فوقي و سألتني برقة، ما الشيء الذي أنا متشبث به الى هذه الدرجة بيدي و أسناني و يعجز الآخرون عن رؤيته ؟!، ابعدت يديها عن كتفي و اخبرتها ان تغرب عن وجهي، و من ثم توقفت عن الزحف و نهضت، و بدأت اتابع  طريقي على غير هدى، مررت بجميع شوارع الخرطوم، و وجدت نفسي في مناطق بعيدة، حتى صرت خارجها، رأيت نفسي امر بكل ازقة هذا العالم جارآ حزامك الوردي خلفي، لربما كنت ابحث عن شئ ما، او ربما في كلام العجوز شئ من الصحة، لربما لم يكن هناك بالاساس اي حزام، درت العالم بأكمله و لم يظهر الطرف الاخر من الحزام، حتى عدت الى غرفتي من جديد، وحيدآ و مضطربآ، حزينآ و يائسآ، و الدماء من أثر الجروح، تسيل فوق كفي و قدمي، و لم اجدك حينها على السرير الذي اجلستك فيه.

إرسال تعليق

التعليقات



اتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

جميع الحقوق على

سجين اوراق قلب

2024 - 2017 محفوظة لصاحبها عمر محمد عطية